الدكتور سماح إدريس لـ”الانتقاد”: نشكر المر لإعطائنا فرصة إعادة إحياء حملات المقاطعة

0

في حزيران 2010 استقدمت شركة “تويو توسي” التي يرأسها جهاد المر فرقة “بلاسيبو” الى لبنان لإحياء حفل في “فوروم دي بيروت”.المحطة اللبنانية كانت “بلاسيبو” البريطانية تحيي حفلاً في الكيان الصهيوني. يومها كانت دماء الشهداء في مجزرة اسطول الحرية لم تبرد بعد، وكانت “اسرائيل” تواجه ما يشبه العزلة الدولية بسبب إقدامها على هذه المجزرة. يومها أدلى حد أعضاء الفرقة رداً على سؤال عما إذا كان يعتقد انه يجب دعم “اسرائيل” “نعم أعتقد ذلك خصوصاً اذا اردت ان تركب البحر”.

 كل ذلك لم يثن “تويو توسي” ومديرها عن قرارهما استضافة هذه الفرقة التي شارك في حفلها على الأراضي المحتلة قرابة 7000 آلاف اسرائيلي. فكان لا بد من اطلاق حملة مضادة تهدف الى مقاطعة الحفل والفرقة، فتجمع عدد من الناشطين في مجال مقاطعة البضائع الاسرائيلية أمام مكان الحفل ووزعوا المنشورات الداعية الى المقاطعة.

هذه التفاصيل كلها تعود الى قرابة سنة ونصف، فلماذا اعادة التذكير بها اليوم؟
لأن بكل بساطة قرر المدير المسؤول عن الشركة المتعهدة لحفلة “بلاسيبو” اي جهاد المر اليوم رفع دعوى على شخصيات ومؤسسات قادت حملة المقاطعة آنذاك وتسببت بخسائر مالية قدرت بـ180 ألف دولار. من بين الذي يدعي عليهم المر اليوم رئيس تحرير مجلة “الآداب” الدكتور سماح ادريس الذي شكر المر على هذه الدعوى كونها قد تعيد إحياء حملات المقاطعة المعلقة منذ عام 2005، “يوم تبدل الجو في البلد وصارت التوجهات نحو العداء للنظام

السوري”.”الانتقاد” كانت لها مقابلة مع الدكتور سماح إدريس فكان الحديث عن دعوى المر غير المستندة الى اساس قانوني، اضافة الى الخطوات المقبلة في إطار تفعيل حملات المقاطعة على كافة المستويات.

ميساء شديد

ـ لماذا يحرّك المر دعواه اليوم بعد قرابة سنة ونصف على حفل بلاسيبو وما رافقه من حملات لمقاطعته؟

أجهل مخططات المستثمرين والإعلاميين والشخصيات سواء كانوا من عائلات معروفة وعريقة كما يقول

 المر عن نفسه، أم لا. وبالتالي لا أستطيع ان أتكهن ولكن قد يكون السبب رغبته بالمجيء بفرق أخرى هذا العام، قد تكون هذه الفرق أو إحداها زارت الكيان الصهيوني أو لها تاريخ “وسخ” مثل فرقة “بلاسيبو” أو صرحت بتصريحات قذرة فيما يخص دعم الكيان الصهيوني. فالكثير من الفرق التي تجول في أنحاء العالم تضع في مخططها زيارة الكيان الصهيوني، لأن “اسرائيل” باتت اليوم للأسف جزءاً من العولمة والمناخ الحضاري والفني والثقافي.
ويمكن ان يكون هناك سبب آخر له علاقة بتحدي مجموعة يظن السيد جهاد المر أنها بلا ظهر كوننا لا ننتمي الى طائفة بالمعنى التقليدي للكلمة، فيعتقد أنه سيسهل مضغنا وتكون معركته سهلة، لأنه لن يكون هناك طائفة أو مذهب وراءنا وهو طبعاً يجهل أو يتجاهل أن المقاومة لا طائفة لها، وبالتالي هي منتشرة وممتدة ونسعى أكثر الى مدّها وانتشارها وعدم حصرها بطائفة أو مذهب بعينه.
(…) أنا أراهن على ردّ هذه الدعوى وعدم البحث بها أصلاً من قبل القاضي وذلك لعدة أسباب، أولاً لأن لبنان ما زال يعتبر “اسرائيل” عدوة له، وثانياً لأن فهم جهاد المر ومحاميه لقانون 1955 يبدو قاصراً جداً. فهو يأخذ النص الحرفي الذي يوحي بأن المقاطعة هي مع الشخصيات ذات الجنسية الاسرائيلية، أو مع التجارة الاسرائيلية ولكن هناك كلمتان بارزتان في النص نفسه وهما “ما يخدم مصلحة اسرائيل”. و”بلاسيبو” تخدم مصلحة “اسرائيل”. فعندما تأتي فرقة

ويحضرها 7000 متفرج كل واحد منهم يدفع المعدل الوسطي اذا ما استندنا الى حسابات جهاد المر نفسه، 50 دولاراً فإننا أمام مبلغ 3 ملايين و500 ألف دولار ذهب مباشرة الى الفرقة والى المنظمين الإسرائيليين ناهيك عن الفنادق وتذاكر الطائرة. هؤلاء إذاً خدموا بشكل اقتصادي الكيان الصهيوني وهنا تدخل كلمة “المصلحة” الموجودة في نص القانون.
اضافة الى ذلك هناك تصريح براين مولكو للتلفزيون الاسرائيلي، حين سأله الصحفي “هل تعتقد أن علينا في هذه الايام دعم اسرائيل”، أجابه “نعم، اعتقد ذلك وخاصة إذا كنت تريد ركوب البحر”. وهذا لا معنى له على الاطلاق الى بالإحالة الى المجزرة التي كانت “اسرائيل” قد ارتكبتها قبل 5 أيام فحسب. أي إن كلامه جاء في وقت كان جزء كبير من العالم في حالة بلبلة وبعض المثقفين كانوا قد قاطعوا الذهاب الى الكيان الصهيوني، كما كان الكيان الصهيوني يعيش لحظة حرجة من العزلة الدولية. وكأن من يريد ركوب البحر والتشمس على البحر بحسب مولكو هم الشهداء الأتراك ونشطاء الحرية والمتضامنون مع فلسطين لا القراصنة الإسرائيليون الذين انتهكوا القانون الدولي في هجومهم في المياه الدولية.

في تلك الفترة تحدث إعلام 14 آذار عن أن حملة المقاطعة فشلت ونقلت عن المنظمين ان ثلاث بطاقات ردّت فقط، وبحسب رقم 180 ألف دولار الذي يستند اليه المر في دعواه فإن عدد البطاقات يقارب 3 آلاف. ما تعليقكم؟
فليكذّب واحد الآخر. إذا كنا خسّرناه (المر) 3 آلاف بطاقة فهذا يشرفنا لأن الهدف الأساسي للمقاطعة هو إقناع وليس تهديد كما ادّعى الأشخاص بألاّ يشاركوا في ذبح الشعب الفلسطيني واللبناني. وبالتالي إذا اقتنع هؤلاء ولم يشاركوا فهذا “عال”. ولكن اذا كان الكلام عن 3 بطاقات ما قيمة الدعوى التي هي “تجاربة” أي إنه يريد اموالاً، فليقرروا إذاً. إما تكون 3 بطاقات وعندها لا معنى للدعوى وإما 3 آلاف وهذا لا يشكل مشكلة لدينا ونحن نتمنى أن لا يشارك أحد في المرات المقبلة اذا تكرر الأمر. ولكن لا يوجد أي إثبات على أن احداً ما قام بتهديده، وهنا أسأل كيف يمكن أن نهدد ونرسل ناشطين وناشطات لنا أمام “فوروم دو بيروت” ويوزعون المناشير ضد “بلاسيبو” فهل يعقل ان نهدد الحفل ونعرّض هؤلاء للخطر. هناك منطق يجب ان يكون موجوداً.
هناك إذاً دعوة سوريالية عبثية لا معنى لها وكلها مليئة بالمتناقضات.

-ما يحدث اليوم يأخذنا الى السؤال عن حملات المقاطعة، ما هي الخطوات اليوم من أجل تفعيل هذا الأمر وتكريس هذا المفهوم؟
هناك خطوتان الأولى شعبية وتوعوية كنا بدأناها من 2002 بعد مجزرة جنين، حين أنشأنا “حملة مقاطعة داعمي اسرائيل في لبنان”، وانتشرت انتشاراً جيداً في العالم العربي. ولكن بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري تبدّل الجو في البلد وصارت التوجهات نحو العداء للنظام السوري قبل أي شيء آخر. وهنا نشكر جهاد المر لأنه قد يعيننا على استخدام هذه الدعوى منصة لإعادة الاعتبار لحملة المقاطعة وإحيائها. لأن المقاومة باعتقادنا لا تقتصر على السلاح ومن يستطع أن يقاتل فهو يؤدي دوراً عظيماً ولكن من لا يستطع ذلك ويقاطع فهذا جزء من عمل المقاومة.
أما الخطوة الثانية فهي ما بدأه بعض الأصدقاء مثل الدكتور عبد الملك سكرية الذي أنشأ قبل أقل من عام هيئة اسمها “اللجنة اللبنانية لدعم قانون المقاطعة” أخذت ترخيصاً. وهذه اللجنة تحاول ليس فقط دعم قانون المقاطعة الصادر سنة 1955 بل أيضاً توسيعه بحيث يشمل النشر المشترك والنشر الالكتروني المشترك مع الكيان الصهيوني والمؤتمرات الثقافية والفنية والطبية والأكاديمية. لأن علينا أن نتذكر شيئاً قد لا يعرفه المجتمع اللبناني وهو أن كل مؤسسات الكيان الصهيوني هي متورطة في الاحتلال بما في ذلك الجمعية الطبية الإسرائيلية التي يقول رئيسها السابق “اذا كانت نتيجة تكسير اصابع بعض الاسرى الفلسطينيين يفيد في سحب معلومات منهم فهذا امر جيد”.أي إن اطباء يشاركون في التعذيب في السجون الاسرائيلية لكي يتأكدوا ان الضحية لا تموت. لان الموت سيشكل للعدو مشكلة امام القضاء. إضافة الى ذلك فإن كل هؤلاء يعطون “prestige” للكيان بحيث تظهر “اسرائيل” وكأنها قبلة السياحة والجاز والثقافة والطب وهذا كله “ينظف” سمعتها الملطخة بدماء الشعب الفلسطيني.

ـ البعض يرفع في معرض الدفاع عن حفل “بلاسيبو” شعار “الفن للفن” ويدعو الى تحييد الموضوع عن السياسة، هل يمكن ذلك؟
هذا الخطأ الكبير، فالثقافة هي جزء أساسي من السياسية والأهم أن الثقافة جزء أساسي من الاقتصاد، أي لا يمكن فصل الاقتصاد عن الثقافة. فجزء أساسي من دورة الاقتصاد في اي بلد تتم عبر السياحة، وعبر الشركات المعولمة والمؤتمرات الطبية. كيف يمكن أن نقول مثلاً “ان جعيتا لا علاقة لها بلبنان”.

ـ هل مهمتكم سهلة اليوم؟
هناك صعوبة كبيرة وتراجع في المقاطعة مرده الى جملة أمور من بينها الاستقطاب السياسي في لبنان الذي يحيّد مسألة المقاطعة. والأمر الثاني يقع على عاتق المقاومة التي يجب أن تولي اهتماماً أكبر لموضوع المقاطعة على قاعدة أن “اسرائيل” لا تهزم بالسلاح وحده. وهنا أتمنى من الإخوة في حزب الله أن يولوا المقاطعة الثقافية والأكاديمية والفنية اهتماماً اكبر بغض النظر عن التهم التي قد توجه إليهم بتخريب الموسم السياحي أو انعكاس الامر على الموضوع الاقتصادي، هناك ما هو أهم من الاقتصاد له علاقة بدماء الشعبين الفلسطيني واللبناني.

ـ برأيكم لماذا تبدو حملات المقاطعة أكثر فعالية في الخارج؟ هل الأمر مرتبط فقط بكون الأسواق الغربية تتواجد فيها البضائع الاسرائيلية أكثر؟
هناك جزء مرتبط بهذا الواقع اضافة الى كون الغرب تحرك بعد عشرات السنين من الصمت. ومن تحرك يشعر بالذنب الكبير الذي بات أكبر من أن يحتمله الانسان الغربي الذي لديه مبادئ. وبالتالي هم لم يعد يستطيع السكوت. فبعد الانتفاضة الأولى والاعتداءات الاسرائيلية المتكررة، يشعر البعض أن الشعب الفلسطيني بريء ويلمس  عدم التكافؤ في القتال. وهناك جانب آخر يتعلق بالمجتمع العربي الذي حطمه الاستبداد العربي فقبل زمن الثورات العربية كان لا أي شخص يريد التظاهر أمام السفارة الاسرائيلية يضرب او يتهم بأنه إرهابي ويعمل ضدّ مصلحة بلاده. كما إن شعارات المقاطعة في بعض الأحيان استخدمت على غير حقيقتها أي إنها استخدمت لدعم أنظمة استبدادية.

آخر الأخبار